البرمذة والتدوين: كسر الحاجز الأول

التحدث أمام جمع من الناس من أصعب الأشياء التي يمكن أن أقوم بها. صحيح أنني طورت نفسي مع الوقت، وتجاوزت كثيرًا من الحواجز، لكن ما زال التفكير المبالغ فيه يؤرقني. أفضل أن أرتجل حديثًا على أن أجهز كلمة مكتوبة ألقيها. لا أعلم السبب تحديدًا، ولست متخصصًا في علم النفس، لكن يبدو أن الرغبة في الكمال وكثرة التحليل أحد الأسباب.
هذا الأمر ينطبق تمامًا على التدوين. فكرت مرارًا وتكرارًا أن أكتب وأنشر على الإنترنت منذ أعوام، لكنني أتوقف دائمًا عند عتبة الانطلاق. أردت أن أمتلك صفحة مميزة، ومحتوى يُقرأ باهتمام، رغم أنني لا أنوي الترويج لها في كل مكان، ومع ذلك كنت أتردد في اتخاذ الخطوة الأولى. إلى أن تغير العالم. العالم الذي كنت أعرفه لم يعد كما هو.
دخول الذكاء الاصطناعي
أصبح لكل شخص مساعد ذكي — أو أكثر — يحمل عنه جزءًا من التردد، ويدفعه خطوة نحو الفعل. مع وفرة أدوات وتقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بات تنفيذ الكثير من المهام أسهل وأسرع. هذا “الصديق الهلوساتي” كما أسميه أحيانًا، بدأ يرافقني في التخطيط، وفي التفكير، وفي البحث عن حلول، بل حتى في كتابة المسودات، وصياغة الجمل، وتوليد الصور، وتصميم الصفحات، والبرمجة كذلك.
أكثر ما جذبني في الذكاء الاصطناعي التوليدي هو شعور الثقة. أحيانًا تكون ثقة مفرطة، لكنه الإحساس ذاته الذي منحتنا إياه محركات البحث في بداياتها. هذا الإحساس لم يكن مجرد رفاهية؛ بل فتح آفاقًا للعمل والتجربة والتعلّم.
من محرك البحث إلى البرمذة
ومع أن البحث نفسه تطلب مهارة، إلا أن الذكاء الاصطناعي قفز بنا إلى مرحلة مختلفة تمامًا. أصبح بإمكانك البدء في مشروع لا تعرف عنه الكثير، فقط لأن لديك الأدوات التي تمنحك الثقة بأنك ستصل. الأمر يشبه السفر دون خارطة مطبوعة، فقط تعتمد على تطبيق الخرائط في هاتفك وتشعر بأنك لن تضل الطريق.
هذا الشعور انعكس كثيرًا على تجاربي، خاصة في البرمجة. سواء كنت مبرمجًا أو مبتدئًا، يمكنك اليوم أن تبدأ مشروعك بمساعدة مولدات الذكاء الاصطناعي الحديثة.
أمثلة وتجارب
أحد الأمثلة البسيطة كانت صفحة 404 — صفحة الخطأ التي تظهر إذا زار المستخدم رابطًا غير موجود. صممتها بطريقة مسلية، لم يكن هذا ضروريًا، لكنه ممتع، ولم يستغرق وقتًا طويلًا بفضل المساعد الذكي.
أما المثال الأهم، فهو هذا الموقع نفسه الذي تقرأ منه الآن. استخدمت في بنائه عدة أدوات: للبرمجة، للتصميم، لتوليد الصور. كنت أعتمد على أسلوب أشبه بـ”البرمذة” — وهي البرمجة بمساعدة الذكاء الاصطناعي — وكانت النتيجة هيكل موقع كامل يمكن لأي شخص لديه بعض الفضول والوقت أن يصنع ما هو أفضل منه.
استخدمت منصة Replit لكتابة الكود وتشغيله من أي مكان، حتى من جهاز لوحي. هذه البيئة السحابية ساعدتني في تجاوز الكثير من الحواجز التقنية، خاصة إن كنت تعمل مع مبتدئين أو على مشروع جانبي سريع.
ختام وتأمل
البرمذة فتحت أبوابًا جديدة. لم تعد الأطر الزمنية للمشاريع كما كانت. أصبح بالإمكان بناء نماذج أولية، وربما في المستقبل القريب تطبيقات وألعاب كبيرة، في فترات زمنية قصيرة جدًا. وأعتقد أن هذا ليس قاصرًا على البرمجة وحدها؛ المستقبل القريب قد يشهد محتوى يُفصَّل خصيصًا لك. تخيل أن تشاهد فيلمًا أحداثه تتفاعل مع ميولك وخياراتك، أو تقرأ كتابًا كُتب لك وحدك، بناءً على ما تحب وما تفكر به.
هذه التدوينة هي أول خطوة حقيقية لي في هذا المسار. ليست مثالية، ولن تكون، لكنّها كسرٌ لحاجز طال بقاؤه. أكتبها لأنني أريد أن أبدأ، لأنني أؤمن بأن التدرّج أهم من الكمال، ولأني، بكل بساطة، وجدت في الذكاء الاصطناعي رفيقًا شجّعني على أن أفعلها أخيرًا.